مع اقتراب ساعة الحسم تتزايد نبضات القلوب وتجف الأقلام وتكمم الأفواه
لتفسح المجال للغة الكرة والأقدام والرجولة فوق الميدان , وعندها يكرم
المرء أو يهان من الإعلاميين المتهورين الذين سيتوقفون عن زرع الفتنة
ويتحولون إلى تمجيد منتخب بلادهم أوالتهكم عليه في حالتي التأهل أو
الإقصاء . لقد سئمنا وتعبنا على مدى أسابيع من كل عبارات الإثارة والتعصب
ومن الإساءة وقلة الأدب , وسئمنا وتعبنا من كل أنواع السب والشتم والاهانة
, ولم نسمع حوار كرويا أو حديثا عن الجانب التقني للمباراة وماذا سيحدث
فيها , وكيف سيلعب سعدان وشحاتة , وكيف سيتصرف الجزائريون إذا تلقوا هدفا
والمصريون إذا لم يسجلوا خلال الشوط الأول . لم نسمع صحفيا أو محللا يتحدث
عن توقعاته الفنية للمباراة لأن الإعلام الرياضي العربي عموما يعاني أزمة
مهنية وأخلاقية, ويسبق الأحداث وتتميز معالجاته بالشوفينية والذاتية
والأنانية بعيدا الاحتراف . إعلام يطالب المدربين واللاعبين بأن يكونوا
محترفين ولا يلتزم هو بأدنى مبادئ و شروط المهنة والاحتراف والأخلاق رغم
مسؤوليته الكبيرة ورسالته النبيلة . بعض الإعلاميين في مصر والجزائر
يتكلمون وكأنهم هم الذين سيلعبون ويتجاهلون بأن المباراة سيحسمها من يتحكم
في أعصابه وتركيزه فوق أرضية الميدان, ومن يستغل الفرص المتاحة, ومن يكون
في أحسن أحواله يوم اللقاء, ومن يعتمد التكتيك المناسب ويستغل ثغرات
منافسه. إذا تحدثنا بلغة الكرة نقول بأن الجزائريين هم الأقرب إلى التأهل
لأنهم الأفضل معنويا وفنيا خلال التصفيات وهم في منحنى تصاعدي من مباراة
لآخري وسيدخلون ملعب القاهرة برغبة في التأهل أكبر من رغبة المصريين الذين
شبعوا انتصارات وتتويجات, وسيرتبكون ويخافون من التعثر بسبب صحافتهم التي
(زودتها شوية), وحملت منتخب بلادها أكثر مما يطيق ,في وقت عناصرنا الوطنية
بقيت بعيدة عن الضغوطات والحرب الإعلامية , وتدرك فقط بأن موعدها مع
التاريخ قد حان, وأمام مصر سيكون موعد رد الجميل لهذا البلد الذي سيمنحهم
فرصة المشاركة في المونديال. رابح سعدان ورغم ما يحمله اسمه من ربح وسعادة
إلا أنه بقي متواضعا ورزينا لأن مسئوليه منذ الدموع التي سالت على خديه
حافظوا عليه وجنبوه كل أشكال الضغوطات حتى صار مصدر ثقة لاعبيه . حسن
شحاتة المحترم يعيش بدوره ضغطا رهيبا وهو الذي لايملك فكرة عن التشكيلة
والطريقة التي سيلعب بها الخضر, وتركيزه على تسجيل الأهداف على منتخب لم
يتلق سوى هدفين في خمس مباريات سيكلفه غاليا . الضغط الجماهيري الذي تتحدث
عنه الصحافة المصرية سيكون على اللاعبين المصريين لأن ضغط ملعب البليدة
على الجزائريين أكبر من ضغط ملعب القاهرة , وعناصر الجيل الحالي للمنتخب
المصري تدرك بأن مباراة الجزائر تمثل فرصتها الأخيرة للمشاركة في
المونديال . لست متطرفا في تفاؤلي لأنني أقر بأن حظوظ المنتخب المصري ولو
ضئيلة فإنها تبقى قائمة لأنه بطل إفريقيا ولم يستسلم رغم الصعوبات , وكرة
القدم لا تحترم المنطق والمعقول إلا عند تجار الكلام الذين يتلاعبون
بمشاعر الجماهير ولم يفكروا في كيفية التعامل مع الصدمة, وماذا سيقولون
لقرائهم ومشاهديهم بعد الإقصاء . وللحديث بقية .