بدأ الآن العد التنازلي لمونديال جنوب إفريقيا، وبدأت أحلام النجوم الكبار ومعها المخاوف أيضا من الغياب عن الموعد الكبير، وبات الكثير من المنتخبات تخرج من حسابها بعض الأسماء بسبب لعنة الإصابة التي صارت مثل الغول المخيف بالنسبة للنجوم الكبار وأهمهم بيكام الذي سيكون غيابه ضربة ليس لعشاق الكرة فقط وإنما أيضا لعالم المشاهير،
وقد عانى المنتخب الوطني الجزائري الحالي من ظاهرة غريبة، وهي الإصابات المتكررة لنجوم الفريق من دون استثناء .. والغريب أن اللاعبين المحليين الذين استغنى عنهم الناخب الوطني أقل عرضة للإصابات رغم أنهم ينشطون في بطولة وطنية الاحتكاك فيها أحيانا من دون ضوابط، والأرضيات التي يلعبون فيها يصاب فيها "حتى الحصان" على حد تعبير علي فرڤاني، فما بالك بلاعب كرة هاو .. وحتى وإن كانت كل المنتخبات العالمية تعاني من ذات المشكل حيث لا يخلو منتخب سيشارك في المونديال القادم من وجود لاعب أو اثنين ضمن قائمة المصابين، وهناك من النجوم من تأكد خروجهم من المونديال.. لكن الأمر في المنتخب الوطني مقلق فعلا وغريب، وما صرنا نخشاه هو أن يتكرر سيناريو الخرطوم وهو أن يلعب الخضر بلاعبين كلهم يعانون من الإصابة أمام منتخبات بدنية لا ترحم، قد ينهي احتكاك أي واحد منهم مسيرته الكروية مدى الحياة خاصة بالنسبة للاعب تقني مثل مراد مغني.
وكان منتخب 1982 لم تطرح فيه الإصابة نفسها أبدا سواء بالنسبة للمحليين الذين تمتعوا بصحة جيدة منذ التأهل في نهاية أكتوبر 1981 أمام نيجيريا حيث لم يصب لا ماجر ولا بلومي ولا عصاد وزملاؤهم بأي إصابة، وذات الملاحظة على المحترفين باستثناء مصطفى دحلب الذي أصيب في لقاء كأس فرنسا مع ناديه باريس سان جيرمان لكنه عاد شهرين قبل الموعد إلى مستواه، وتكرر ذات الاطمئنان في مونديال المكسيك.
خلال مونديال إسبانيا لم يعان محي الدين خالف ورشيد مخلوفي من الإصابات، ولكن المفاجأة حدثت مع قلب الهجوم تاج بن ساولة ابن حمام بوحجر الذي أصيب بمرض "بوصفير كما يسمى في وهران" وهو مرض التهاب السحايا المعقد، أبعده عن الميادين وطال أمده وقارب السنة كاملة حتى يئسنا من مشاركته، حيث غاب عن مباريات كأس أمم إفريقيا بليبيا التي عانت فيها الجزائر من افتقادها لرأس حربة ولم يشارك أيضا تاج بن ساولة في أشهر المباريات الودية التي لعبها المنتخب الوطني، خاصة أمام أتليتيكو منيروس البرازيلي والبيرو وجمهورية إيرلندا الجنوبية، وكان واضحا أن تاج بن ساولة سيكون غائبا لأن المرض أقعده الفراش وأبعده نهائيا عن الأنظار، وعندما تم ضمه لقائمة 22 لاعبا المسافرة إلى إسبانيا ظن الكثيرون أنها مجاملة للاعب صنع أهم أفراح المنتخب الذهبي عام 1979 عندما دك عرين الحارس المغربي الهزاز بثلاثة أهداف في الدار البيضاء في لقاء تاريخي انتهى بخماسية للخضر ضد المغرب أمام 100 ألف متفرج مغربي ضمنت التأهل لألعاب موسكو الاولمبية .. ولكن المفاجأة حصلت في 16 جوان بخيخون عندما قام المدرب خالف وفريقنا متفوق على ألمانيا بهدف وحيد من إقحام بن ساولة في مكان جمال زيدان الذي أحرج رفاق برايتنر، ورغم أنه لم يسجل إلا أنه ساهم في الفوز التاريخي، وغاب عن مواجهة النمسا، وفي لقاء الشيلي لعب بن ساولة أساسيا وسجل هدفا ثالثا جميلا وارتطمت واحدة من كراته بالعمود وكأن شيئا لم يكن، والذي شاهد بن ساولة تساءل كيف للاعب غاب لمدة عام كامل واستعاد عافيته قبل أيام قليلة وليس أسابيع قليلة وتمكن أيضا من التهديف في المونديال في ملعب أوفييدو بإسبانيا .. وحتى خلال المباريات الثلاث التي لعبها الخضر لم تحدث أبدا إصابات وكل ما في الأمر تعب وإرهاق جعل خالف يقحم في اللقاء الثالث أمام الشيلي لاعبين احتياطيين.. ونذكر جميعا التدخلات الخشنة من روباش ورفاقه على الحارس مهدي سرباح من دون أي إصابة، ونذكر أيضا الهيئة البدنية المتواضعة لعصاد وماجر وبلومي وياحي الذي لعب بضعة دقائق أمام الشيلي دون أي إصابة تذكر.
أهم ما ميز رحلة المنتخب الوطني في إقصائيات مونديال 1986 هو الإصابة الشهيرة التي تعرض لها لخضر بلومي مع ناديه غالي معسكر في لقاء إفريقي في ليبيا من اللاعب الشهير باني، وظن كثيرون أن الإصابة هي نهاية بلومي الذي كان قد أمتعنا أمام جوفنتوس عندما خطف الأضواء من ميشال بلاتيني وتدخل الرئيس الشاذلي بن جديد في ذلك الوقت وخص بلومي برعاية متميزة كانت أولها ولأول مرة نقله عبر طائرة خاصة إلى فرنسا للعلاج، وعاد بلومي بعد عام كامل للميادين وبعد أن غاب عن مواجهة زامبيا ضمن إقصائيات مونديال المكسيك شارك لأول مرة في ملعب المنزه أمام المنتخب التونسي في اللقاء التصفوي الأخير، وحتى بعد تأهل الخضر للمونديال أصيب مرة أخرى في لقاء فريقه أمام اتحاد الحراش ولكن تم استرجاعه ولعب المونديال المكسيكي، وكان على بعد خطوة من تسجيل هدف تاريخي في مرمى البرازيل في الشوط الثاني .. وكانت النقطة السوداء في ذاك المونديال هو إصابة صالح عصاد الذي شارك برغم ذلك، ويقول صالح عصاد الذي تلقى الانتقاد بعد مباراة البرازيل عندما أضاع هدفا محققا أنه لولا الإصابة لقصف الحارس البرازيلي بواحدة من قنابله الشهيرة التي كان يمتعنا بها دائما .. والغريب أنه في لقاء الافتتاح أمام إيرلندا الشمالية عندما تمكن "وايت سايد" من التهديف من مخالفة سكنت مرمى العربي بذل ماجر المستحيل للتعديل وفي إحدى ارتماءاته الرأسية نطح رأس مدافع من إيرلندا في الشوط الأول وتم نقله في حالة خطيرة إلى المستشفى ولكنه في اللقاء الموالي شارك بصفة طبيعية ولم يكن مردوده كما نعرف ماجر عادة .. وحتى الحارس دريد أمام إسبانيا الذي تعرض لاعتداء واضح من جزار اللاعبين اللاعب الإسباني الشهير الذي تسبب في كسر ساق مارادونا "غووي غوتشيا" عاد للملاعب بسرعة.
لماذا تغيرت الأوضاع ولماذا يدفع المنتخب الوطني الفاتورة الضخمة الآن .. سؤال لا أحد أقنعنا بالإجابة عنه خاصة أن المنتخب الوطني مكوّن من لاعبين ينشطون في أوربا وتدرجوا أيضا في المدارس الأوروبية، والأغرب أن معظمهم يصاب في التدريبات ومنهم من لا يلعب أصلا في ناديه ويصاب.
والإصابة هي عدو اللاعب عبر التاريخ ولكنها لم تعق النجوم الكبار أبدا عن المشاركة إلا إذا تعرض لها خلال المونديال نفسه كما حصل للجوهرة السوداء بيلي في مونديال 1962 في شيلي، حيث أصيب في أول لقاء، وكان سنه 21 وبلغت البرازيل النهائي وفازت بالكأس من دون بيلي .. الذي عادت الإصابة لتقتل طموحه في مونديال 1966 بإنجلترا أمام منتخب بلغاريا ولكن بيلي حفظ الدرس جيدا فكان نجم مونديال 1970 مسح به دموعه .. وعانى خليفته الأسطورة زيكو من الإصابة في مونديال 1986 ولم يلعب إلا في الدور الثاني ونذكر جميعا أنه غاب عن مواجهة الجزائر في غوادالاخارا.. كما حرمت الإصابة نجم المجر الأسطوري نيازي عن مونديال 1986 بالمكسيك فسقطت المجر بأكبر الهزائم ومنها سداسية كاملة أمام الإتحاد السوفياتي.
الجمعة أكتوبر 05, 2012 12:16 am من طرف *همس الروح*
