أريد في مقدمتي هذه أن أربط بين التوحيد والعقيدة وبين الاستقامة ، وأن
الاستقامة لا تقوم إلا على توحيد خالص ، ولما جاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بداية الدعوة كان ممكن لبعض المفكرين أو الذين يُعملون عقولهم أن
يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالمشكلة الداخلية لتوحيد القبائل ويصير
زعيماً ، يوحد القبائل وبعد ذلك يبدأ بقضية الرسالة ، أو يبدأ بالقضية
القومية وهي إخراج الفرس والروم من أرض العرب ، وكان ممكن أن يجد له
أتباعاً من باب العنصرية أو من باب القومية أو الغيرة العربية لإخراج
المستخرب أو الأجنبي عن أرض العرب ، أو يحل المشكلة الاجتماعية ؛ قضية
الطبقية والعبيد والأسياد والأثرياء والفقراء والطبقية الموجودة في
المجتمع وسوف يجد من الفقراء الكثر في مجتمع مكة ومجتمع قريش من يؤيده في
هذه المسألة ، لكن ظل ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى لا إله إلا الله ، فلما
دخلت قضية التوحيد هذه وأمرهم رب العباد كفوا أيديكم ، الأمر هنا جاء
استقام الصحابة على هذا المنهج منهج لا إله إلا الله ، وظهرت الاستقامة في
ألسنتهم ونظرتهم وعقولهم وأفكارهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم ، وتحملوا هذا ،
فأقاموا قضية الاستقامة مقام الكيان العملي الموجود في الحياة وليس كلاماً
نظرياً تجريدياً ، بعد هذه الأعوام الثلاثة عشر وتمكن التوحيد في قلوب
الصحابة ، رأينا مجتمعاً واقعياً مثالياً ارتقى بالإنسان إلى أرقى ، بحيث
النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب المصحف على ورق وإنما كتب بمداد من نور
على سطور قلوب الصحابة عقيدة لا إله إلا الله فاستقامت أعمالهم عملاً
خلاقاً أضاؤوا به العالم كله وكانوا خير أمة أخرجت للناس